توترت السوق بعد التصريحات المتشددة من بنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي أكد على مضيه قدما في محاربة التضخم، إلا أن المقالة الحالية ستشير إلى أمر آخر متعلق بما سنطلق عليه اسم ” المعركة الجديدة للدولار الامريكي والاقتصاد “.
وقبل الدخول في النتائج؛
فإن الدولار الأمريكي سيبقى متماسكا بحسب التحليل الأساسي في الوقت القصير الحالي، على أن يتخذ مسارا مختلفا وفقا لما سيرد خلال تفاصيل هذه المقالة.
أما عن الأرقام القادمة للدولار الأمريكي، فسيتم مناقشتها عبر حلقة دردشة اقتصادية التي تذاع في مساء كل يوم احد.
التفاصيل: المعركة الجديدة للدولار الامريكي والاقتصاد!
رفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية بعد أن قدم أربع زيادات متتالية بمقدار 75 نقطة أساس، لكنه أشار إلى مزيد من الزيادات في تكاليف الاقتراض بحلول نهاية عام 2023.
وقال جيروم باول رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي:
“أتمنى لو كانت هناك طريقة غير مؤلمة على الإطلاق لاستعادة استقرار الأسعار”.
كما قال أيضا:
“لا يوجد ، وهذا أفضل ما يمكننا القيام به.”
وقد تراجعت الأسهم الآسيوية ، بينما تأرجح الدولار وظلت سندات الخزانة الأمريكية مدعومة.
ومع الركود الذي يلوح في الأفق في أذهان المستثمرين، هناك تلميح من الشكوك حول ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيتابع رفع أسعار الفائدة في مواجهة تباطؤ النمو عند 4.9% حيث إن الاسواق عدلت من نظرتها إلى 5.1% وفقا لما قاله المسؤولون الفيدراليون.
وفيما يتعلق بالتضخم، فإنه لابد من الإشارة والاعتراف بأن معدل التضخم للشهر الخمسة الماضية، تراجع عن ذروته 9.1%.
وهو الأمر المنطقي وتحديدا في ظل تراجع اسعار الوقود، وثبات نسبي (عدم ارتفاع) في أسعار الغذاء.
إلا ان المسألة ومن وجهة نظر رئيس الفيدرالي كان لها مسار آخر، متمثل في ضرورة محاربة التضخم.
وقد خرج العديد من المحللين للحديث وتناول ما قاله رئيس الفيدرالي بالتحليل والشرح.
حيث اعتقد بعض المستثمرين أن الركود الاقتصاد المتوقع سيجبر مجلس الاحتياطي الفيدرالي على تخفيف السياسة النقدية العام المقبل، رغم حديث الفيدرالي.
بينما رأى البعض الآخر أن الفيدرالي ماضٍ في سياسته التشددية، وإن كانت، وبالتأكيد بوتيرة أبطأ بكثير عما كانت عليه العام الحالي.
وما بين هذا وذلك، تبقى الاسواق محتفظة ومتمسكة بالأمل، في أن يقوم الفيدرالي في تخفيض اسعار الفوائد 2023.
وهو الأمر الذي يمكن ان نصفه بالأمل الطموح والمشروع على حد سواء.
فالمشاكل التي قادت التضخم إلى الارتفاع يمكن أن نصف بعضها بأنه في طريقه نحو النهاية.
بينما يمكن ان نصف البعض الآخر من هذه المشاكل بأنه قد انخفضت وتيرته عما كانت عليه.
فالصين التي انتهجت سياسة الإغلاق التام لمكافحة الفايروس، تتحدث اليوم عن اجراءات جدية في تخفيف السياسة وفتح ابوابها.
أما الحرب الروسية، فيبدو أنها أصبحت منمطة الوتيرة في الوقت الحالي، أو أنها دخلت مرحلة باردة من مراحلها التي لا يعرف احد ابدا موعد نهايتها.
إلا ان هذه الآمال الطموحة والمشروعة، للأسباب السابقة، ستصطدم بحقائق مختلفة المصادر.
حيث إن هناك استحقاقات اقتصادية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، أهمها القضاء على التضخم المرتفع.
وسيكون هذا الاستحقاق مرتبطا ارتباطا كبيرا، بضمان انخفاض التضخم إلى مستويات باردة نوعا ما.
ودرجة البرودة التي يمكن أن يصل إليها التضخم، فإنه يمكن وصفها بنصف ما كانت عليه ذروة التضخم (9.1%).
وهذا الامر الذي تحدث عنه جيروم باول في خطابه، وأشار إليه بشكل عقلاني.
حيث أكد على أن سياسته سترتبط بالبيانات الاقتصادية القادمة، وانه لابد من التمهل والتمسك بالفوائد المرتفعة.
وهذا سينقلنا إلى الحقيقة الثانية من جملة الحقائق التي تجعل آمال المستثمرين أمرا مبالغا فيه رغم مشروعيتها.
فجيروم باول يدرك تماما أن هناك أمورا لا بد من عدم الاستهانة بها، وتحديدا :
-
الصين، وفتح أبوابها في المراحل الأولى، وما سيترتب عليه من ارتفاع في اسعار السلع.
-
روسيا، وعدم امكانية معرفة مسار حربها في أوكرانيا، أو آلية ردها على العقوبات التي وصلت إلى تسعة.
ولاجل هذين الأمرين فإن جيروم باول سيحتفظ بسياسته النقدية، وهما امران تمت الإشارة إليها في مقال منفصل وتفصيلي (انقر هنا للإطلاع).
ولكن المسألة هنا، ستنقلنا إلى معركة جديدة ومختلفة، لحقبة جديدة من المشهد الاقتصادي.
المعركة الجديدة للدولار الامريكي والاقتصاد!
بات الجميع مدركا لسياسة الفيدرالي وأولوياته في معالجة التضخم وإعادته بمقدار 5.1% ليصل إلى المستهدف 2%.
وبذلك فإن الأسواق ستكون في موعد مع حقيقة رئيسية هي (الفوائد ارتفعت لأعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية).
ولا يقتصر هذا الإدراك على الأسواق والشركات والمستثمرين فحسب، بل إنه امر يدركه صناع السياسة من حول العالم.
بل إن جيروم باول وأصدقاءه يدركون جيدا بأنهم سيحاولون انقاذ ما يمكن انقاذه أثناء رحلتهم في مكافحة التضخم.
كما أن رئيسة المركزي الاوروبي تحدثت مرارا وتكرارا خلال الشهر الماضي عن مسألة قبولها للركود لمكافحة التضخم.
وإن حدث الركود الاقتصادي نتيجة ارتفاع تكاليف الاقتراض فإن ذلك سيكون سببا في العديد من الأمور، أهمها:
-
تراجع في الاقتراض والانتاج.
-
أو تعثر في سداد القروض القائمة.
-
نقل التكاليف الخاصة بالتمويل من الشركات للمستهلك.
-
انخفاض ربحية الشركات، وبالتالي الحاق الضرر بالمستثمرين.
وبذلك فإن الدولار الأمريكي سيبقى في موقف متماسك خلال الفترة القصيرة، والتي أقصد بها انتهاء العام الحالي وحتى بداية اعلان الشركات عن ارباحها.
إلا أن الدولار والاقتصاد على حد سواء سيكونان على موعد مع مسارات مختلفة (صاعدة للدولار، وهابطة للأسوق المالية)، وذلك بعد العديد من الأحداث وأهمها
-
إعلان الشركات عن ارباحها السنوية (باستثناء البنوك) التي إما أن تكون دون التوقعات أو أنها حققت نتائج متراجعة فعليا.
-
استيعاب الاسواق المالية لمسألة التراجع الاقتصادي لدى الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا خلال الفترة الأولى لفتح الصين أبوابها (حيث إن الصين ستحتاج لوقت لإعادة التوازن الاقتصادي حول العالم بعد ثلاثة أعوام من الاغلاق المستمر).
-
قراءة التضخم القادمة، وهذه ما لا يمكن إعطاء حسم فيها، وذلك لأنه ستصدر وفق معطيات مختلفة لا يعرفها أحد حتى الآن.
وبذلك نقف عند هذا القدر من قراءة المشهد بصورته الأولية، على ان نكمل في مقالات أخرى.