يعتبر الاقتصاد الفلسطيني اقتصادا زراعيا رعوياً في المقام الأول، وذلك بسبب تربته الخصبة ومياهه الوفيرة، وطبيعته الجغرافية المميزة.
فإذا ما أردنا الحديث عن المعالم الجغرافية للضفة الغربية، فهي معالم غنية بالتنوع، سواء على صعيد المياه ومصادرها أو على صعيد الطبيعة من جبال وسهول.
أما إذا ما تحدثنا عن غزة، فهي لا تقل شأنا عن ما تتمتع به الضفة الغربية من موارد، ولكن فيما يتناسب مع مساحة غزة مقارنة بمساحة الضفة.
ولكن القطاع الزراعي أخذ بالتراجع شيئا فشيئا، لصالح التجارة وذلك في منتصف القرن التاسع عشر.
وتحديدا بسبب زيادة العلاقات التجارية مع الدول المحيطة والدول الغربية؛ حيث تعتبر فلسطين أرضا خصبة للصناعات وخاصة النسيج والأعمال الزجاجية.
كما أن موانئ يافا وحيفا وعكا دفعت فلسطين لاستقبال المصنوعات الغربية بشكل أكبر، مما زاد من الاهتمام بالصناعة.
وفي منتصف القرن العشرين، زاد على مشاكل الزراعة مشاكل أخرى تتمثل في الانتداب البريطاني، وظهور أمر خطير آخر.
ألا وهو التوسع في عمليات شراء الأراضي من قبل المستوطنين اليهود، وزيادة كثافة الوجود اليهودي في المناطق الداخلية الفلسطينية.
أضف إلى ذلك ما أصيب به الاقتصاد الفلسطيني من عبء لم يكن مستعدا له، وهو زيادة أعداد اللاجئين الفلسطيين.
حيث تم طرد الكثير من الفلسطينيين من قبل المستوطنين اليهود، مما دفع اللاجئين الفلسطينيين للنزوح نحو أراضي الضفة الغربية وغزة.
وفي العام 1950 انتقلت الضفة الغربية لسيادة إمارة شرق الأردن، بعد هزيمة حرب 1948، وكان هذا حدثا محوريا لاقتصاد الضفة الغربية.
فقد كانت الأردن بلادا صحراوية بحاجة للكثير من التطوير والتحديث، وهو ما دفعها للاهتمام بالضفة الشرقية على حساب الضفة الغربية.
وهو أمر طبيعي في بناء الدولة في مراحلها الأولى، حيث اهتمت الأردن بتطوير البنية التحتية للضفة الشرقية وجلب الاستثمارات لها.
وقد شهدت أيضا هذه المرحلة انتقال عدد كبير من الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية للاستقرار وعامل الأمن والنمو الاقتصادي.
وبسبب الوضع الاقتصادي السيء للضفة الغربية فقد زادت هجرة المواطنين إلى مناطق مختلفة من العالم.
كان أهمها أمريكا الشمالية والجنوبية وبعض المناطق الأوروبية الأخرى.
ولا ننسى أيضا النمو الاقتصادي الهائل الذي كانت دول الخليج على أعتابه مما حذى بفلسطينيي الضفة إلى الهجرة هناك.
ولم تكن أحوال غزة بأفضل من أحوال الضفة الغربية؛ حيث تم وضعها تحت وصاية السلطات المصرية، والتي لم تولي القطاع اهتماما اقتصاديا كما يجب.
واستمر الوضع على ما هو عليه حتى العام 1967؛ وذلك حينما قامت اسرائيل باحتلال الضفة وقطاع غزة، وزادت من عمليات الاستيطان فيها.
وقد عمدت اسرائيل على إهمال البنى التحتية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.
بل وأصبحت الفروق المادية بين الأراضي المحتلة وغيرها من الأراضي التي اغتصبتها اسرائيل قبل عام 1967 فروقا لا تحتاج لترسيم حدود واضحة.
وقد تكفلت هذه الظروف الصعبة بين المنطقتين بتمييز أي المناطق التابعة للضفة أو غزة، وأي المناطق تابعة لاسرائيل.
وقد عانى اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل كبير، بسبب أمور عديدة منها:
-
سياسات الإغلاق الاسرائيلية الممنهجة أمام المنتجات الفلسطينية، وإغراق السوق الفلسطينية بالمنتجات الاسرائيلية.
-
احتلال اسرائيل للضفة وغزة، عمل على التحكم بالمنافذ الخارجية، وهو ما مثل حربا على الصادرات والواردات الفلسطينية.
-
دفعت الظروف الصعبة السوق الفلسطينية لأن تصبح سوقا معتمدا بشكل كبير على اسرائيل واقتصادها.
وعلى الرغم من ارتفاع النشاط الاقتصادي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ومنتصف الثمانينات، إلا أن هذا النشاط كان لأسباب مهمة منها:
-
دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة لأن يقوم بعض العُمال الفلسطينيين إلى العمل في الداخل المحتل.
-
إرسال العمال والمغتربين الفلسطينيين وخاصة في دول الخليج الأموال إلى الداخل الفلسطيني، على شكل تحويلات لأسرهم.
وهذين الأمرين دفعا النشاط الاقتصادي في الضفة وغزة إلى الارتفاع، ولكنه كان مرتكزا على قطاع البناء والتشييد.
واستمر هذا الوضع بشكل كبير حتى حدوث الانتفاضة الأولى في 1987، والتي أثرت على الاقتصاد الفلسطيني بشكل سلبي هائل.
-
وعانى الاقتصاد الفلسطيني كثيرا خلال سنوات الانتفاضة، من مظاهر كثيرة وخطيرة، أهمها:
-
انخفاض الدخل وإغلاق الكثيرين لأعمالهم ومنشآتهم.
-
إنهاء عقود عمل الفلسطينيين من دول الخليج بسبب موقفهم من أزمة العراق مع الكويت.
-
ارتفاع مستوى التضخم في اسرائيل والذي أثر سلبا على مداخيل العاملين الفلسطينيين فيها.
ومع مجيء السلطة الفلسطينية لتاسيس دولة فلسطينية عام 1993 وإنشاء ما يُسمى ببروتكول باريس عام 1994، عادت الحياة الاقتصادية إلى الأراضي الفلسطينية.
إلا أن هذه الفترة لم تكن كافية لإعادة الحياة الاقتصادية كما يجب، أو العمل على إنشاء بنية تحتية لازمة للدولة المستقلة المنشودة.
بل إن هذه الفترة الهادئة نسبيا لم تستمر طويلا؛ حيث جاءت الانتفاضة الثانية عام 2000، والتي أعادت الاقتصاد الفلسطيني إلى نقطة أشد ألما وصعوبة.
أضف إلى ظروف الانتفاضة الصعبة أمورا اقتصادية داخلية أشد إيلاما، حيث تضييق الخناق على الاقتصاد والشركات والمنتجات.
إلى جانب استبدال اسرائيل العمال الفلسطينيين في الداخل بعمال من جنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية وبعض الدول الإفريقية.
وقد عملت هذه الظروف مجتمعة إلى دفع الاقتصاد الفلسطيني إلى أمورصعبة يمكن تلخيصها بما يلي:
-
تراجع دور القطاع الزراعي والصناعي بشكل كبير، بسبب ما تقدم أعلاه من أسباب تاريخية.
-
زيادة قدرة إسرائيل في التحكم بالاقتصاد الفلسطيني، وخاصة وان الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بشكل كبيرة في صادراته ووارداته على اسرائيل في المقام الأول.
-
أصاب الاقتصاد الفلسطيني حالة من الاضطراب وعدم التوازن، والاعتماد على الموارد المالية التي تتحكم اسرائيل فيها بشكل كبير كما تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
-
نمو في الناتج المحلي الإجمالي عبر السنوات دون أن يصاحبه نموا اقتصاديا حقيقيا كما يجب.