لقد كانت مسألة الشيكات المصرفية الراجعة واحدة من أكثر المعضلات التي صاحبت الإغلاق الاقتصادي في فلسطين.
وقد وصلت قيمة الشيكات الراجعة نصف مليار شيكل في شهر ابريل الماضي، وهو ما يمثل 3% من الاقتصاد الفلسطيني.
وعلى الرغم من انخفاضها في الشهر الذي تلاه بسبب إعادة عجلة الاقتصاد بشكل تدريجي، إلا أن المشكلة ليست وليدة كورونا.
إن مسألة الشيكات المصرفية وتحديدا الراجع منها، تعتبر مشكلة كبيرة واجهت الاقتصاد الفلسطيني بسبب الظروف المضطربة والمستمرة.
وقد تم إصدار العديد من التعليمات الخاصة بالشيكات الراجعة، والتي أتخذت الصفة الرادعة، للحيلولة من زيادة كميتها.
إلّا أن المعضلة لا تتمثل فقط بالقوانين والتعليمات، فالمسألة تتعدى هذه الأمور، وسأعالج هذه المسألة من خلال النواحي التالية:
(علما أنني أتناول في هذه المقالة آراء شخصية لا تستند إلى أية مراجع، أو مستندات، بل أعتمد على متابعاتي الشخصية للأنظمة والتجارب الدولية التاريخية)
أولا. علاج وعي المواطن الاقتصادي:
إن إدراك المواطن الفلسطيني لأهمية الإدخار وتوفير المال لشراء احتياجاته المختلفة،.
إضافة لإدراكه أهمية تملك الأمور التي تقع ضمن حدود قدرته المادية، سيمكّن من تخفيف اعتماده على الشيكات المصرفية.
أضف إلى ذلك زيادة وعي المواطن بأهمية شراء الأمور الاستثمارية والمُدرّة للدخل، وتخفيف الإنفاق على الأمور الاستهلاكية، والذي اتخذ شكلاً مبالغاٌ فيه.
هذا من ناحية المواطن المستهلك، أما على صعيد المواطن التاجر، فيجب الاهتمام بمسألة السجل التاريخي للزبون أو المستهلك، وذلك قبل عملية البيع من خلال الشيكات.
إلى جانب تخفيض هامش الأرباح قدر الإمكان، لإتاحة الفرصة أمام البيع النقدي ضمن حدود المواطن المادية.
بل وبما يشكله هذه التخفيض من إتاحة الفرصة لتحريك عجلة الاقتصاد بشكل أسرع.
كما يمكن إضافة تبني استراتيجية واضحة لعمليات البيع من قبل التاجر، فيقوم بوضع نسبٍ واضحة ما بين البيع نقدا والبيع بالتقسيط عبر الشيكات.
ثانيا. دور البنوك التجارية في حجم الشيكات المصرفية الراجعة:
إن التزام البنوك التجارية في فلسطين بصفة التحفظ، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، هو أمر بالغ الأهمية.
وأعني بصفة التحفظ، الامتناع عن إصدار الشيكات بالكميات المُبالغ فيها، أو دون الالتزام بدراسة السجل التاريخي لطالب الشيكات.
كما يمكن إضافة قسم كامل بمتابعة الشيكات ودراسة أوضاعها إلى الهيكل التنظيمي للشيكات، نظرا للمعضلة الاقتصادية، والتي ستطال البنوك آجلا أم عاجلا.
ثالثا. تعليمات الجهات الناظمة:
لقد أوجدت سلطة النقد الفلسطينية العديد من التعليمات الخاصة بالشيكات المصرفية الراجعة، وذلك لتنظيم العمل بها، وضمان استخدامها بشكل رشيد.
إلا أنه وعلى الرغم من هذه التعليمات، لاحظنا زيادة مضطردة في الشيكات الراجعة عموما، وفي ظل كورونا بشكل خاص.
إن التعليمات المرجوة في المستقبل، يجب أن تطال الجميع، لتنظيم أمور التعامل بالشيكات بشكل مدروس من الجميع.
وأقصد بالجميع البدء بوعي المواطن في عملية الشراء، ثم وعي التاجر بالبيع اعتمادا على الشيكات، ثم وعي البنك كمصدر لها، ثم تنظيم سلطة النقد لهذه العملية من الألف إلى الياء بشكل أكثر شمولية وتحفظٍ وعقابية لمن يخالفها.
ماذا وإلا فإن انهيار الثقة بين المواطن والتاجر، هو انهيار لأهم أركان العملية الاقتصادية، وتعطيل لعجلة التسهيلات التي يتم تقديمها للمواطن الراغب في الحصول على واحدة من أساسيات الحياة، وبالتالي زيادة الهوّة بين الطبقات، وما سينجم عن ذلك من أمورٍ سيئة لا قدر الله تعالى، ستصل إلى زيادة الوضع الاقتصادي الفلسطيني سوءا.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية