على الرغم من عدم صدور شيء رسمي من قبل الجانب الروسي عن العقوبات الروسية على أمريكا إلا اننا سنحاول استقراء الواقع للتعرف على هذه العقوبات المحتملة، أو التي قد تكون قائمة بالفعل.
فعلى مدى العقد الماضي، ارتفعت وتيرة التوترات الجيوسياسية وما تلاها من عقوبات اقتصادية، إلا أن جميع الأطراف والشركات تمكنت نوعا من احتواء تلك العقوبات.
ولكن الغزو الروسي لأوكرانيا، قد يغير كثيرا من هذا النمط في الاحتواء، وذلك لأن عزل الاقتصادي الروسي، سيعني عزل الاقتصاد الحادي عشر عالميا، وأحد أكبر منتجي السلع الأساسية للعالم.
وقبل الدخول في محاولة تحديد العقوبات الروسية، فإننا يجب أن ننوه إلى أن الاقتصاد الروسي لن يكون بمعزل عن التأثرات.
ولكنها ووفقا للعديد من الاقتصاديين، فإن روسيا ستتمكن من التعامل معها، على أن تتأثر بها بعد مرور سنوات، وفقا لما جاء على موقع nbcnews.
وسنحاول فرز آثار هذا العزل من خلال الصدمات التالية:
الصدمة الأولى. ارتفاع التضخم العالم وانخفاض النمو المحتمل:
يبدو بأن العقوبات ستؤدي أيضا إلى ارتفاع التضخم وانخفاض النمو، وذلك على خلفية ارتفاع أسعار الطاقة.
والتي سترفع من أسعار الإنتاج والطاقة اللازمة للنقل على وجه التحديد، وذلك في كل مرة يتخطى سعر البرميل مئة دولار.
كما ستكون التداعيات طويلة المدى بمثابة ضعف إضافي لنظام سلاسل التوريد العالمية، والأسواق المالية التي ينظر إليها كمهمين رئيسي على الاقتصاد العالمي.
الصدمة الثانية: الاضطرابات في الأسواق المالية العالمية:
يمكن ملاحظة حدوث بعض الاضطرابات في الأسواق المالية، في كل مرة يتم فرض عقوبات أشد.
ويمكن ملاحظة مدى الضرر الذي يمكن أن يصيب الاقتصاد العالمي في حال تضرر الأسواق المالية، وذلك بالاعتماد على الأزمات التي كانت الأسواق المالية تتسبب بها.
حيث أنه وبغض النظر عن الضرر الذي أصاب العالم جراء انهيار أسواق المال عام 1929، فإن الأحداث السلبية في سوق المال عام 2000، أو ما يعرف بالدوت كوم، أدى إلى كارثة امتدت عامين وتحديدا حتى عام 2002.
بينما لا يغيب مشهد الازمة المالية العالمية 2008، والذي بدأ أيضا من أسواق المال وانهيارها.
الصدمة الثالثة: الموارد الرئيسية والسلع الأساسية:
أما على صعيد السلع، فيجب أن ندرك بأن روسيا تعد المورد المهيمن على الغاز لأوروبا.
كما تعد واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم ومورد رئيسي للمعادن الصناعية مثل النيكل والألمنيوم والبلاديوم.
وهو ما لا يختلف عن أسواق السلع الاساسية، وتحديدا القمح، والتي تعتبر روسيا وأوكرانيا اثنتان من أكبر المصدرين له.
وإن كان بايدن قد وجه العقوبات لروسيا، فإن بوتين يبدو بأنه قد كان مدركا لحجم العقوبات الاقتصادية الروسية على أمريكا والعالم بأسره.
حيث تتجه أسعار الغاز والمعادن الرئيسية والسلع الأساسية إلى الارتفاع، وذلك بعد عام كامل من الارتفاعات أساسا.
إن لم تصل العقوبات إلى امتناع روسيا عن بيع مجمع السلع الأساسية للعملاء الغربيين، واكتفائه ببيع الحلفاء وأهمهم الصين.
وهذه الأمور ليست بمعزل عن تصورات الولايات المتحدة أو الغرب، فعلى الرغم من عقوبات عام 2014، إلا أن الشركات البريطانية والأمريكية لم تمتنع عن الاستثمار في روسيا، كما جاء على صفحات economist التي تم الاعتماد على بياناتها في بناء هذا التصور للعقوبات الروسية.
كما هو حال شركات بريتيش بتروليوم أو إكسون موبيل أو شل اللواتي قمن في تكثيف الاستثمار في روسيا.
بينما كانت العقوبات الأمريكية على روسال ، شركة المعادن الروسية ، في عام 2018 قصيرة الأجل.
أما قرار ألمانيا الأخير بإيقاف العمل على خط الأنابيب نورد ستريم 2، فيعتبر قرارا رمزيا لأنه خط لا ينقل الغاز حتى الآن من روسيا إلى الغرب.
كما يمكن أن تكون العقوبات الاقتصادية الروسية على أمريكا والغرب، عقوبات بصناعة أمريكية غربية خالصة.
حيث أن فرض المزيد من القيود الغربية على صناعة الموارد الطبيعية في روسيا ستقلص العرض العالمي.، وترفع الأسعار.
الصدمة الرابعة. اتاحة الفرصة أمام الصين:
إلا أن روسيا قد تلجأ ببساطة إلى الصين، وذلك في حال فرض عقوبات صارمة مثلما هو الحال مع شركة هواوي.
وهو ما سيشكل فرصة للتجارة والتكنولوجيا الصينية من جانب، وفرصة لتخفيض الاعتمادية الروسية على تجارة وتكنولوجيا الغرب.
في النتيجة؛
فإنه وعلى الرغم من عدم الخروج بتصريح روسي صريح ومفصل للعقوبات الاقتصادية التي يمكن أن تُعلن في وجه أمريكا.
إلا أن قراءة واقع الاقتصاد الروسي بالنسبة للعالم، قد تشكل نوعا ما من العقوبات القوية لأمريكا والعالم بأسره.
وإن لم تتسبب هذه العقوبات في حدوث أزمة اقتصادية عالمية اليوم، فإنه، وبالتأكيد، سيغير الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد العالمي لعقود قادمة.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية