ياهو فاينانس : لقد كان الاسبوع الماضي اسبوعا مليئا بالاضطرابات والتكهنات والتوقعات، وذلك قبل أن يقوم الفيدرالي برفع الفوائد والتأكيد على أنه ماضٍ في رفع الفوائد من أجل التأكد من انخفاض التضخم في أمريكا بشكل فعال وجدّي.
وقد جاءت تحركات الأسواق وسط تأكيد على أن سوق العمل ما زال جيدا وقادرٌ على تحمل المزيد من رفع الفوائد وما سيتسبب به هذا الرفع من حدوث ركود محتمل.
وعلى الرغم من أن الفيدرالي يحاول جاهدا سحب السيولة من السوق وتخفيض الطلب لإعادة الأسعار إلى مستوياتها المأمولة (2%) إلا أن الوضع الاقتصادي الأمريكي يقدم خلاصة واحدة مفادها أن الطلب الأمريكي ما زال قويا للغاية وسيواصل تغذية التضخم.
وهذا إن عنى شيئا للفيدرالي، فإنه يعني إشارات سيئة جدا لمساعيه في تخفيض الطلب عن طريق إضعاف القدرة الشرائية.
حيث قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يوم الأربعاء:
“نتخذ خطوات قوية لتهدئة الطلب حتى يتماشى بشكل أفضل مع المعروض من السلع والخدمات”.
وعلى الرغم من تباطؤ العديد من المؤشرات الاقتصادية الأمريكية وتراجع توقعات نمو ارباح الشركات، إلا ان ذلك لم يكبح جماح الطلب الذي ما زال قويا في الأوساط الأمريكية.
وعلى صعيد آخر فإن سوق العمل الأمريكية ما زالت قادرة على تقديم 10.7 مليون فرصة عمل وفقا لبيانات سبتمبر، وهو ما يعني إشارة أخرى.
حيث إن قيام الشركات بتوظيف المزيد من الأمريكيين سيمكنها من رفع الانتاجية وزيادة المعروض وبالتالي محاربة التضخم من جانب العرض وهو الأمر الأهم في مساعي الفيدرالي في التأكد انخفاض التضخم في أمريكا بشكل فعّال.
ولكن استطلاعات الأعمال المختلفة تقدم أمورا أخرى سيئة في الوضع الأمريكي الراهن.
فوفقا لمعهد خدمات إدارة التوريد هناك عددا قليلا من الراغبين في العمل، أو المؤهلين لشغل الوظائف.
حيث قال بنك جولدمان ساكس في أحد تحليلاته:
“إن معظم الشركات تواصل التوظيف من أجل تلبية الطلب الأمريكي المرتفع على السلع والخدمات”
وهذا يمثل رياحا معاكسة لرغبة الفيدرالي في تخفيض معدلات التضخم الآخذة في الارتفاع.
وذلك لأن أرباب العمل يضطرون إلى رفع الأجور بقوة لتوظيف العمال والاحتفاظ بهم، وهذا يجبرهم على:
-
رفع الأسعار على ما يبيعونه لتعويض التكاليف المرتفعة، لزيادة هوامش الأرباح.
-
زيادة الأجور للمحافظة على العمالة والترغيب في الإقبال على الوظائف.
وزيادة الأجور سيؤدي إلى زيادة الأموال في جيوب المزيد من المستهلكين، مما يدعم الطلب وسط نقص في المعروض.
وبالتالي فإن ارتفاع الأجور ونمو الوظائف الشاغرة يعني المزيد من تغذية الطلب الذي ينصب في مصلحة ارتفاع التضخم
بالتالي مواصلة الفيدرالي في تشديد السياسة النقدية بقوة حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى ركود وألم اقتصادي.
حيث قال باول في اجتماع الأربعاء:
“ما زلنا نبحث عن علامات تدل على حدوث انخفاض في التضخم، ولكن هذا ليس واضحا بالنسبة لي لأن الأجور لا تنخفض”.
وما بين هذا وذلك، فإن الفيدرالي لا يوجد لديه أي وسيلة أخرى سوى رفع الفوائد لسحب السيولة قدر الإمكان وتقوية الدولار وتخفيض أداء الأسواق المالية.
وعلى الرغم من وجود الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن سلاسل التوريد قد تحسنت بالفعل بشكل ملحوظ لتحسين المعروض.
وأن هناك أيضًا دليل على أن الشركات قد تكون قادرة على كبح جماح الأسعار كما يتضح من حقيقة أن هوامش أرباح الشركات لا تزال قريبة من مستويات قياسية، إلا أن التضخم لا ينخفض بشكل سريع.
وقد كتب بول دونوفان ، كبير الاقتصاديين في UBS Wealth Management مقالا لصحيفة Financial Times عن هذا الأمر.
حيث قال:
“إن الشركات تقوم بالانتاج، ولكنها تبيع بأسعار مرتفعة لتحقيق الأرباح من جانب، ومواجهة ارتفاع الأجور بسبب نقص الموظفين”.
كما قال دونوفان:
“لا تخفض الشركات الأسعار لأن المستهلكين لديهم القدرة المالية على الدفع”.
بينما أكد دونوفان على أن المستهلكين استمروا في الشراء رغم ارتفاع الاسعار.
وقال أيضا:
“ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الأجور من شأنه أن يضعف الطلب وبالتالي محاربة التضخم قدر الإمكان”.
في النتيجة؛
فإن الفيدرالي ما زال يواجه رياحا معاكسة في معركته ضد التضخم، رغم رغبة الكثير من الاطراف في تخفيف سياسته النقدية المتشددة.
كما ستمثل أي قراءة منخفضة للتضخم، وتحديدا يوم الخميس القادم، إشارة جيدة ليس إلا، وليس دليلا قاطعا على أن الفيدرالي سيعدل عن سياسته.
وذلك أن الوضع الاقتصادي الأمريكي لا يسمح للفيدرالي التوقف عن رفع الفوائد لمجرد إشارة واحدة جيدة.
وأن حرب الفوائد ستستمر في الذهاب بعيدا حتى ينخفض التضخم بشكل مستمر وقوي ليصل أو يقترب من 2%.
بل إن أي تحرك سلبي على الدولار في حال انخفاض التضخم في أمريكا الخميس القادم، سيقابله بعد ذلك اجتماع الفيدرالي منتصف الشهر القادم.
حيث سيخرج جيروم باول ليتحدث حينذاك عن الوضع الاقتصادي وتأكيده على استمراره في محاربة التضخم، وإعادة الحياة للدولار من جديد.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية