ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية القوة المهمينة على مختلف الأصعدة، وتحديدا الاقتصادية، وغالبا ما يتم الحديث عن انهيار الدولار الأمريكي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
إن الدولار يعتبر العملة المهيمنة على صعيد التبادل التجاري العالمي، بل إنه العملة الأكثر قبولا منذ أكثر من ثمانين عاما.
ومنذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي، مرورا بالأزمات الأقتصادية التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية ضالعة فيها بشكل كبير، يتم الحديث عن انهيار عملة الدولار الأمريكي.
إنه لابد من الاعتراف بأن هذا الانهيار سيقود إلى الكثير من المشاكل الاقتصادية على صعيد الثروات والديون السيادية والودائع.
بل إن هذا الانهيار سيقود العالم بأسره إلى تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية، وذلك أثناء البحث عن عملة أخرى لتقييم الأصول بها.
عوامل صمود الدولار الأمريكي:
إن الإقبال والقبول العالمي عاملان أساسيان في بقاء الدولار على سدة الهيمنة فيما يتعلق بالعملات، إلا أن أمراً لا يدوم إلى الأبد.
أما عن العوامل الأخرى، فتأتي مسألة الثقة بالحكومة ومدى دعمها لعملتها كعامل مهم في عملية استقرار الدولار.
إن الدولار الأمريكي مُسيطر على مسألة التبادل التجاري منذ العام 1971 وذلك حينما تم التخلي عن قاعدة الذهب.
وهو ما دفع البنوك المركزي للاحتفاظ بالدولار كعملة احتياطية لديهم وبنسبة تتراوح بين 60-80%.
إلا أن هذه القوة غالبا ما تُكبد الاقتصاد الأمريكي الكثير من التكاليف، خاصة على مستوى الصادرات الأمريكي، والتي ستبقى مرتفعة مقارنة بصادرات الدول ذات العملة الأضعف كالصين مثلا.
ولكن رياح الأمور لن تبقى وفق أهواء السفينة الأمريكية إلى الأبد؛ حيث تواجه الولايات المتحدة اليوم معطيات مختلفة منها:
1. تنامي القوى الاقتصادية بشكل أكثر رشداً مقارنة بالفترات السابقة.
2. ظهور قيم مالية جديدة ذات مستقبلٍ واعد مثل العملات الالكترونية.
3. تعاظم الأسواق السوداء والتي ستجعل من العملات الالكترونية ذات سيادة أخرى.
أما عن مسألة تخلص الصين (المنافس الأوضح في المرحلة الحالية) لتريليون دولار من الديون الأمريكية وتأثرها على الدولار.
فإن هذا السيناريو يجب أن يتم النظر إليه من زوايا استراتيجية مختلفة، منها:
أن تخلص الصين من الديون الأمريكية سيدفع الدولار حتما إلى الانخفاض بشكل كبير، وهو ما سيدفع عملتها إلى الارتفاع بشكل غير مرغوب.
وعدم الرغبة في ارتفاع عملة الصين مثلا، يعود إلى حرص الصين على المحافظة على اسعار صادراتها منخفض.
إضافة إلى أن ضخ تريليون دولار في الاقتصاد الصيني بشكل مفاجئ هو أمر خطير على مسألة التضخم والحفاظ عليه عند حدود مقبولة.
وفي النتيجة:
يبدو أن الدولار الأمريكي أمام الكثير من المسائل التي سيبدأ صُنّاع القرار في التفكير فيها حول مصير الدولار الأمريكي.
سواء على صعيد ارتفاع التنافسية العالمية الشديدة، أو على صعيد الاختبار الصعب الذي يمر فيه الاقتصاد الأمريكي.
أو حتى صعيد تنامي قوة الدول الأخرى والتي تمتلك ديونا أمريكية بتريليونات الدولارات.
فما الذي ستقوم به أمريكا؟
وهل سيحافظ ترامب على كرسي الرئاسة لأربع سنوات قادمة؟
بل هل سيحافظ ترامب على الهيمنة الأمريكية من بوابة العقوبات التقليدية في ظل حرصه على إبقاء الدولار الأمريكي في مستويات متدنية نوعا ما؟
إن إجابة هذه الأسئلة كفيلة برسم خارطة اقتصادية مغايرة عما مضى، وبشكل يدفع إلى المتابعة بشكل أكثر حرصا عن ذي قبل.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية