تاريخ أسعار الفائدة الأمريكية:
استجاب العالم الاقتصادي بشكل شبه دائم إلى الإرادة الاقتصادية الأمريكية، وذلك منذ أن اعتبرت أمريكا نفسها سيدة الموقف المالي في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي وحتى يومنا الحالي، وفي كل أزمة اقتصادية نجد بأن الإجراءات العالمية تأتي كردة فعل لما يقوم به الفيدرالي الأمريكي، والمُتفحص لتاريخ الأزمات خلال السبعين عاماً الماضية، يجد بأن أمريكا عملت على تحفيز الاقتصاد العالمي مرورا بالحرب العالمية الثانية عام 1945، فانتهجت سياستين الأولى كانت عبر حزمة الدعم المالي لأوروبا أو ما أطلق عليه خطة مارشال، والثاني خطط التحفيز المالي ودعم المشاريع وإنعاشها عبر القروض والتسهيلات المالية المختلفة، ويمكن النظر إلى المعدلات الضريبية المنخفضة ومعدلات الفائدة كمؤشر على التحفيز الأمريكي، وخلال الخمسينيات وحتى السبعينيات تزايدت معدلات الفائدة تدريجيا وصولا لقمتها في بداية السبعينيات (7.76%) وذلك قبل أن تصطدم أمريكا والعالم أجمع بالكساد التضخمي، الأمر الذي أجبر الجانب الأمريكي على تخفيض معدلات الفوائد، ومع انتهاء قاعدة الذهب العالمية نجد بأن أمريكا انتهجت سياسة رفع سعر الفائدة نظرا للطفرة الاقتصادية الجيدة التي حدثت للدولار الأمريكي باعتباره العملة الأساسية العالمية الجديدة، وقد سجلت معدلات الفائدة أعلى مستوى لها في التاريخ عام 1981 حينما اقتربت إلى مستوى 20%، ولكن الاقتصاد الأمريكي الجديد دفع العالم إلى العديد من الأزمات في ثمانينات القرن الماضي وحتى يومنا الحالي، الأمر الذي دفعه إلى تخفيض معدلات الفائدة بشكل دراماتيكي وصل أدناه خلال الأزمة الاقتصاية العالمية بعد العام 2008 وحتى العام 2015 إذ اقتربت الفائدة إلى المستويات الصفرية.
أما الآن فإن العالم بأكمله يطرق أبواب الكساد العالمي الكبير -شركات وأفراد وحكومات-، بل إن حزم التحفيز التاريخية التي تقدمها الدول هنا وهناك ما هي إلا مؤشر خطير على الكساد المُخيف، والذي يُنبؤ بالكساد العظيم إبان العام 1929 والذي استمر 5 أعوام، وتقوم الولايات المتحدة الأمريكية بسياسات متسارعة ومتلاحقة، فأولا ضخ المليارات ثم الإعلان عن ضخ تريليون دولار لمساعدة الأسواق المالية، ثم الحديث عن التخفيض لأسعار الفوائد بشكل اضطراري مرتين في أسبوعين لتصل إلى مستويات صفرية، ثم العمل على تأجيل دفع الضرائب، وإزالة التعريفات الجمركية إلا عن بعض المنتجات الصينية، ثم يأتي أداء أسواقها على الرغم من ذلك كله مخيبا للآمال، بل نجد نزيفا ماليا حاداً يدفع إلى التخبط بين أسواق المال وأسواق العملات.
هل سيقوم الفيدرالي الأمريكي باتخاذ قرار تاريخي بفرض الفائدة الاسمية السالبة؟
هذه الطريقة العقابية التي يمكن أن يتخذها صناع السياسة الاقتصادية تعبر عن يأسهم من جدوى الاجراءات التحفيزية في دعم الأسواق ودفعها للتحسن، بل إنها المؤشر الأساسي الكبير الذي سيُنذر بأننا دخلنا مرحلة الكساد العميق.
الفائدة الاسمية العكسية ببساطة، وهي أن يحصل البنك المركزي على رسوم وعمولات على ودائع البنوك العادية كأداة عقابية لهم لأنهم احتفظوا بالمال بدلا من ضخه في الأسواق وإنقاذها.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية