ضجت الأروقة الاقتصادية بالحديث عن حركة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في بدء عملية تقليص جهوده التحفيزية غير المسبوقة.
وهو ما يعني تشديد السياسة النقدية والبدء بعملية رفع أسعار الفوائد بشكل تدريجي خلال العامين القادمين.
لماذا تعتبر حركة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حركة خطرة؟؟
يبدو أن الأسواق لم تنتبه إلى أن هذه الجهود ستحدث في ظل تجاوز أصول الميزانية العمومية للفيدرالي الأمريكي 8 تريليون دولار أمريكي لأول مرة بهذا الحجم.
وهو ما يدفع إلى ضرورة فهم هذه الحركة وربطها بما جرى قبل 17 عاما من الآن.
ولذلك فإننا سنعرض لكم ملخص مقالة للكاتب روبرت بيرجس المحرر التنفيذي في وكالة بلومبيرغ اوبينيون.
وذلك من خلال طرح الأسئلة التالية وإجاباتها بأبسط الطرق.
أولا. ما الذي سيجري مع الأسواق الآن بعد تشديد السياسة النقدية؟
للإجابة عن هذا السؤال فلا بد لنا من العودة إلى عام 2004.
حيث قام رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق “آلان جرينسبان” بتشديد السياسة النقدية حينما بدأت عوائد السندات طويلة الأجل بالانخفاض.
وهو الأمر نفسه الذي يتكرر الآن ويدفع للحديث عن تشديد السياسة النقدية خاصة مع انخفاض العوائد على السندات طويلة الأجل.
ولكن قيام الفيدرالي الأمريكي بتشديد السياسة النقدية آنذاك دفع الأسواق، وتحديدا اسواق الأسهم إلى الارتفاع بشكل مبالغ فيه.
ثم الانخفاض والدخول في أزمة مالية كبيرة ما زالت تمثل لغزا رغم كثرة التحليلات والتفسيرات لتلك الأزمة.
كما أنه لا بد من إدراك أن تشديد السياسة النقدية لا يعني سحب كل الأموال المتواجدة في النظام المالي دفعة واحدة.
ونحن هنا نتحدث عن حجم أموال هائلة جدا تم ضخها من قبل الفيدرالي خلال الوباء.
حيث تم ضخ سيولة أكبر بكثير مما تحتاجه البنوك الأمريكية أو أكثر مما تستطيع التعامل معه في ظل الفوائد المنخفضة.
حيث أنه ولفهم مدى السيولة التي تمتلكها البنوك ، فإنه لابد من النظر إلى البيانات التي جمعتها بلومبرج على النحو التالي:
فائض السيولة لدى البنوك نما إلى 6.74 تريليون دولار نهاية عام 2020.
وصل فائض السيولة إلى 3.21 تريليون دولار في نهاية عام 2019.
فائض السيولة كان أقل من 300 مليار دولار قبل أن يبدأ الفيدرالي باستخدام التيسير الكمي عام 2009.
هذا يعني أن البنوك الأمريكية أو حتى البنوك العالمية تعاني الآن من تكدس أموال كثيرة، إلى جانب أمر خطير جدا.
حيث تنعكس خطورة هذه المبالغ في حجم القروض التي تم منحها أثناء الوباء وأقصد القروض التجارية والصناعية وغير المسددة على وجه التحديد.
حتى من يرى أن ما تم تقديمه صورة قاتمة، وأن البنوك لم تقم بتقديم الأموال على شكل قروض وأنها اتجهت نحو شراء السندات، فإنها أيضا صورة قاتمة.
حيث ستمثل عملية الشراء تلك مشكلة أخرى خاصة مع انخفاض الطلب على سند الحكومة من قبل الحكومة وضرورة الاكتفاء بالعائد المرتفع مقابل الاحتفاظ بها دون القدرة على تسييلها حين الحاجة في ظل التشديد النقدي.
ثانيا. متى سيبدأ الفيدرالي بعملية تشديد السياسة النقدية ؟
الإجابة الأقرب حتى الآن –والتي تدور جميعها في فلك التوقعات والتكهنات- هي أنها ستبدأ إما في وقت لاحق من هذا العام أو أوائل عام 2022.
حيث يستند هذا التوقع على درجة قوة الانتعاش الاقتصادي الذي يدفع الاحتياطي للبدء بعملية التشديد.
إذن ما هو المهم في هذه الحالة؟
يؤكد روبرت بيرجس على أنه وبغض النظر عما سيفعله الاحتياطي أو متى سيفعله، فإن هناك أمرا آخر لابد من الالتفات إليه.
وهو ضرورة الاحتفاظ بتكلفة منخفضة للأموال، وأن لا يتم رفع أسعار الفوائد بشكل كبير في ظل التشديد المنظور.
ويشير روبرت في تخوفه إلى ارتفاع مبالغ فيه في عوائد السندات أو حدوث ارتفاعات غير منطقية في الأصول عالية المخاطر مثل الأسهم.
في النهاية…. هل سيرتفع الدولار الأمريكي؟؟
انعكس إعلان الفيدرالي الأمريكي فيما يخص اقتراب تشديد السياسة النقدية بشكل إيجابي مباشر وسريع على مؤشر الدولار.
إلا أن الأمور لن تجري كما هو متعارف عليه في الماضي كعلاقة طردية بين التشديد وسعر الصرف.
حيث أن المسألة الآن لا تشبه ما حدث في الماضي على صعيد سير الاقتصاد العالمي، فالأمور أكثر تعقيدا مما يبدو.
فبينما يساهم تشديد السياسة في رفع الشهية نحو الدولار ورفع سعر صرفه في النتيجة، إلا أن هناك عوامل أخرى تتعلق بالحركة التجارية، وانفتاح الدول، وقوة الحركة الاقتصادية، وحجم الفوائد نفسها التي سيتم رفعها، إلى غير تلك الأمور التي لا بد من أن تكون مفهومة من قبل الجميع.
حيث تقع مسؤولية إدراك ما سيحدث في المقام الأول على كاهل القائمين على السياسات المالية والنقدية حتى لا تنجر الأسواق إلى أزمة مالية غير مرجوة.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية