الكثير من المحللين الاقتصاديين يقيسون تبعات الكورونا الاقتصادية بانخفاض قيمة اسواق الاسهم او التركيز على اسعار النفط والمعادن، ولعل بعض المنصات الاعلامية حاولت التخفيف من الازمة باظهار دور الحكومات ومساهمتها في امتصاص النقص بالسيولة وتحدثت باسهاب عن الدعم الحكومي النقدي كما فعلت امريكا بضخ 5500 مليار ، والاتحاد الاوروبي بمبالغ مشابهة وكذلك اليابان والصين وغيرها من الدول الصناعية المنتجة. ان تعويض الشركات والافراد عن الاضرار التي ترتبت عن الجمود الاقتصادي والبطالة المؤقته لملايين العمال وحل مشكلة السيولة مؤقتاً لا يعني كبح جماح الخسائر الاقتصادية.
الكثير من الدول بادرت بتسهيل الحصول على التمويل والاقتراض ومنحت رواتب لمدة أشهر للعاملين الذين تعطلت أعمالهم وغطت مصاريف الايجار للكثير من الاعمال والمصالح المختلفة في دولهم ، وهرعت دول العشرين الى تخصيص ما يقارب 7 الاف مليار دولار لمجابهة أزمة الكورونا الاقتصادية ودعم الاقتصاديات الاكثر تضرراً، وكذلك فعل صندوق النقد الدولي وغيره الكثير من المؤسسات. هذه المؤسسات حاولت في البداية التقليل من حجم الاثر الاقتصادي وتحدثت فقط عن فقدان 25 مليون عامل لوظائفهم، ثم مع تعقد الازمة عادت لتشير ان ما يزيد عن 200 مليون سيخرجون من سوق العمل، والان بدأت تتحدث عن أرقام مفزعة ونسب قد تصل الى 25%. علما أنها صرحت سابقا ان الخسائر المتوقعة قد لا تتجاوز 9 الاف مليار للعام القادم وأن حشد الاموال جار لتدارك هذا الخطر الكبير.
يبلغ عدد العاملين في العالم 3.4 مليار عامل، ان خسائر عدم عمل اي منهم تعادل خمسة الى ستة أضعاف تعويضاته. في الواقع من يحتسب الخسائر الاقتصادية اعتماداً على مبالغ التعويضات هو المحاسب وليس الاقتصادي ، وهذا يذكرني بأحد أصدقائي الذي كان ينصحني أن استقل الباص من نابلس الى رام الله كونه اقل تكلفة بخمسة شواقل وينسى انني سأقضي عدة ساعات حتى ينطلق وأصل الى وجهتي، تلك الساعات الثمينة التي كان من المفروض أن أنتج بها اضعاف تلك الشواكل.
اذا ما هو الضرر الحقيقي والاثر السلبي على الاقتصاد؟؟؟ ان أساس الاقتصاد هو الانسان المنتج الذي يشغل موارد الانتاج، فكلما زاد عدد العاملين والمنتجين بالبلد كلما تم توليد الانتاج والحياة، ان البلدان ذات معدل البطالة المرتفع والناتج المحلي المنخفض تقع في أدنى سلم الترتيب الاقتصادي العالمي ، مثل اليمن وموزمبيق وتشاد بقيمة لا تتجاوز 2.9 من 7، بينما تتصدر المؤشر سويسرا بقيمة 5.86 وتتبعها امريكا بمؤشر مشابه 5.85. ان هناك عدة مؤشرات تستخدم لقياس قوة الاقتصاد لكل بلد ، وقد أشارت الكثير من الدراسات الى ان انتاج البلد ( الناتج المحلي الاجمالي) هو أهم المؤشرات المعتمدة عالمياً وهذا المؤشر يتكون من عاملين أساسيين، عدد العاملين (البطالة) ومساهمة العامل في الناتج المحلي.
المؤشر الاول القوى العاملة والبطالة بلغ معدل البطالة العالمي ما يقارب 5.6% وبواقع 193 مليون عاطل عن العمل، ومع انتشار كورونا سيزداد هذا العدد بدرجات كبيرة، علماً أن بعض الدول تعاني أصلا من معدلات مرتفعة خاصة في الوطن العربي (2019) كما هو الحال في اليمن 60%، وتليها فلسطين 30%،ليبيا 19.2%، الاردن 18%، عمان 17.5%، تونس 15%. العراق 14%، الجزائر ومصر 10%، السعودية 12.8% والاقل هي الامارات بنسبة 2.7% وقطر 0.1%. اما الاقتصاد الاعظم أمريكا والذي يشكل 24% من انتاج العالم فيتوقع ان تصل البطالة الى 25% على الاقل، وان عدد المسجلين للاعانة تجاوز 22 مليون علما ان ملايين من غير الامريكيين تم تسريحهم ولا يملكون الحق بالتسجيل.
المؤشر الثاني القيمة المضافة ان العامل يضيف قيمة الى الناتج اضعاف راتبه وتعويضاته ففرضا في النرويج يحقق الفرد العامل قيمة مضافة الى الناتج السنوي تصل الى 307,900$، والكويت 152,906$، والسعودية 122,932 وامريكا 103,365$ و والاحتلال 83,128 $، والصين 23,157$، والاردن 16,896$ ، مصر 12,335$ وفلسطين 8,081$. بمعنى أخر أي عامل يتعطل عن العمل يكبد الاقتصاد خسائر الفرصة البديلة والتي تعادل فرضا في أمريكا 103 الاف دولار سنويا ، و 23 الف دولار في الصين.
الخسارة الاقتصادية الناتجة عن الكورونا هناك عدة انواع من الخسائر الاقتصادية، فان انعدام الثقة باقتصاد معين تؤدي الى سحب الاموال والاستثمارات من هذه البلدان وانخفاض تصنيفها الاقتصادي العالمي وتوقف الكثير من الاعمال واغلاقها، التضخم الحتمي، انخفاض قيمة الاسهم، الخ، لكننا في هذه المقالة سنركز على احتساب الخسائر المباشرة من عدم الانتاج والبطالة المتولدة من أزمة الكورونا، وسنتناول أمريكا كمثال بحكم انها تشكل الثقل الاقتصادي العالمي الاكبر.
الخسائر الاقتصادية في الولايات المتحدة: يبلغ عدد العاملين في امريكا اكثر من 157 مليون عامل وموظف، ونسبة البطالة 3.6% في العام 2019 . وفي احصاءات جديدة وفق صحيفة اقتصاد امريكا ، يتوقع المحللين ان ترتفع نسبة البطالة الى 15% خلال ايام ‘ حيث تقدم لبدل البطالة خلال الاسبوع الاخير ما يزيد عن 6.6 مليون شخص ووصل المسجلين الى ما يزيد عن 16 مليون قبل ذلك. ان التوقعات أن تزداد الاعداد لتصل الى 25%. معادلة الخسائر الاقتصادية اعتمادا على الارقام اعلاه:
أولا: الخسارة من البطالة= عدد العاطلين عن العمل * القيمة المضافة للعامل الواحد = 157 مليون عامل *25%(نسبة البطالة) * 103,365= = 39.25 مليون عاطل عن العمل* 103,365 = تقريبا 4 الاف مليار.
ثانياً: الخسارة من الحجر وتوقف الاعمال فترة الحجر والتي يتوقع ان تستمر بالمتوسط مدة ثلاثة اشهر مما يعني ربع الناتج المحلي والبالغ 22 الف مليار، اي ان الخسارة قد تصل الى 19% من الناتج = ما يزيد عن 4 الاف مليار اخرى.
ثالثاُ: الخسارة الحكومية من الاموال التي انفقتها الحكومة على الموظفين والاعمال كتعويضات للخسائر والبالغة 2250 مليار حتى اللحظة. اي ان اجمالي الخسائر المباشرة =اكثر من 10 الاف مليار في أقل تقدير.
الاثر الاقتصادي العالمي تحدثنا مسبقا عن الاقتصاد الاقوى وما سيعانيه من هذه الجائحة فما بالك بالاقتصاديات الاضعف مثل دول العالم الثالث والاقتصاديات الناشئة والدول النامية، اننا مقبلون فعلا على كوارث اقتصادية لدى الكثير من الدول وسيتبعها ثورات اجتماعية ونسب بطالة غير مسبوقة، ستدفع الكثير من الدول لبيع مقدراتها وحقوقها للدول الغنية أو خصخصتها للقطاع الخاص وستضطر الحكومات بعد ان تستنفذ سيولتها المحدودة أصلا، أن تبحث عن حلول تتنازل فيها عن أملاكها وثرواتها لكي تتمكن من البقاء. أعتقد أن الصين ستكون الرابح الاكبر كذلك بعض الدول الغنية التي ستتمكن من تجاوز الازمة دون أضرار.
الدكتور شادي حمد حاصل على شهادة الدكتوراه في المالية من ماليزيا
يعمل في مجال الاستشارات المالية والتدقيق الداخلي منذ اكثر من 15 عام.
معتمد دوليا في مجال التدريب في المجالات المالية والضريبية.
خبرة 21 عام في التدريب المحاسبي والمالي والرقابي.
حاصل على عدة شهادات مهنية وعضو مجلس ادارة في المجمع الدولي للمحاسبين العرب.
محاضر غير متفرغ في جامعة بيرزيت.
عمل سابقا في شركة PWC Director كخبير في المجال الضريبي.
خبير في المجال الاحصائي وباحث تمكن من النشر في عدة مجلات دولية.
مستشار مالي لعدة شركات محلية ودولية.
تجربة مميزة في اعداد دراسات الجدوى والمشاريع الاقتصادية.