لطالما أعرب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول عن إعجابه العميق ببول فولكر، سلفه الأسطوري الذي هزم التضخم المرتفع الذي أصاب الاقتصاد الأمريكي ما بين الأعوام 1965-1982.
حيث ظل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بول فولكر يحارب التضخم لأكثر من عقد من الزمن من خلال السياسة النقدية الفضفاضة، سعيا منه لمواجهة ارتفاع الأسعار الذي جاء كنتيجة طبيعية لصدمات العرض الناجمة عن الاضطرابات الجيوسياسية.
إلا أن باول ما زال بعيدا عن اساليب فولكر رغم إعجابه بها، وذلك أن التضخم الأمريكي ما زال آخذا في الارتفاع.
وهناك من يشكك في اساليب فولكر الحقيقية في محاربة التضخم سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.
إلا أننا سنشير إلى ما ورد على صفحات الفاينانشال تايمز وتحديدا فيما يتعلق بمسألة تقييد النمو في عرض النقود.
ولتوضيح النمو في عرض النقود، فيمكن التذكير بما قامت به الولايات المتحدة بطرح أكثر من 5 تريليونات دولار لمواجهة الجائحة عام 2020.
حيث حارب فولكر معدلات التضخم المرتفعة آنذاك من خلال تقييد النمو في عرض النقود بشكل مباشر.
بينما ينتهج باول سياسة رفع اسعار الفائدة بشكل صارم في المرحلة الحالية، على أن يخفضها إذا دخل الاقتصاد مرحلة الركود.
وهذا ما لم يقم به فولكر خلال عهده، حيث تمسك بتشديد السياسة النقدية خلال فترتي ركود للتغلب في النهاية على التضخم.
ويؤكد المحللون عبر الفاينانشال تايمز أنه يتوجب على باول الآن أن يشير بقوة إلى انه مستعد لفعل ما قام به فولكر لهزيمة التضخم.
يجب تحسين أخطر سيناريوهات الاختبارات الضاغطة!
قام الفيدرالي الأمريكي باختبار اكبر البنوك الأمريكية عبر اختبارات ضغط لتحديد قدرة البنوك على تحمل الصدمات في الظروف الاقتصادية الصعبة وذلك عن النصف الأول من هذا العام.
حيث تم وضع سيناريو احتمالية حدوث ركود عميق كأحد السيناريوهات التي يجب على البنوك فحص قدرتها على مواجهتها.
ليفترض السيناريو الركود العميق مع انخفاض معدلات التضخم من 8.25% إلى 1.25%، وأن اسعار الفائدة ستواصل انخفاضها إلى الصفر.
ولكن بنك الاحتياطي الفيدرالي لم يجرب السيناريو الذي يثير قلق العديد من الخبراء.
وهو سيناريو غرق الاقتصاد في ركود عميق، مع معدلات تضخم مرتفعة ومعدلات فائدة مرتفعة ايضا.
ليعني هذا السيناريو اختبار قدرة البنوك على تحمل سيناريو الركود التضخمي الذي واجهه فولكر عام 1979.
حيث أبقى فولكر على السياسة النقدية المتشددة خلال فترات الركود عامي 1980 و 1981-1982 رغم الاعتراضات آنذاك.
بل إن فولكر لم يأبه بكل المطالبات الشعوبية بتخفيف السياسات النقدية، والمطالبة الرسمية بإقالته.
كما لم يرضخ للمطالبات الرسمية من قبل وزير الخزانة الأمريكي بتخفيف المعروض من النقد لمكافحة الركود.
وقد دافع فولكر عن تمسكه بالسياسة النقدية، وقال:
“إنه استطاع تخفيض البطالة في عام 1980 من 14.8% إلى 5% بحلول عام 1982”.
ليرفض فولكر آنذاك سياسة “توقف وانطلق” وهي السياسة التي اتبعها أسلافه من رؤوساء الفيدرالي الأمريكيين.
حيث تقضي برفع اسعار الفائدة في ظل البطالة المنخفضة، وتخفيض الفوائد إذا ارتفعت معدلات البطالة.
وقال آنذاك:
“إن هذه السياسة ألحقت الضرر بمصداقية الاحتياطي الفيدرالي، والثقة بأنه يمتلك سياسات حصيفة”.
ووفقا لذلك فإن على باول أن يحذو حذو فولكر من خلال التمسك بالتشديد النقدي، وتحديدا تقليل المعروض النقدي.
حيث أنه ولسنوات عديدة لم يول الاحتياطي الفيدرالي اهتماما كبيرا للحجم الهائل من الأموال التي أوجدتها سياساته التيسيرية.
فالتدخل الجدي وتغيير نهج الفيدرالي الأمريكي في التعاطي مع المرحلة الحالية، بات أمرا ضروريا.
وذلك لمواجهة الصدمة والرهبة من الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة بأهداف جديدة تعتمد على المعروض النقدي.
حيث يجب أن يتم تخفيض المحفظة الحالية للفيدرالي، التي ارتفعت من خلال شراء السندات، لتبلغ الآن 8.4 تريليون دولار بشكل فعلي، رغم اعلان الفيدرالي عن قيامه بتخفيضها منذ البداية.
ولكن المحفظة لم تنخفض إلا بنحو 28 مليار دولار اعتبارات من 13 الشهر الماضي، رغم الوعد بأنه سيقوم بتقليص محفظته بما يصل إلى 47.5 مليار دولار شهريا.
كما يتعين عليها إجراء اختبارات ضاغطة جديدة لطمأنة الجمهور بأن البنوك يمكنها تحمل الركود التضخمي الحاد.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية