يبدو وكأن الأمر يبدو غريبا بشكل كبير، فما هي إلا أيام بسيطة من خسارة ترامب ونجاح بايدن في الانتخابات الأمريكية حتى بدأت الأخبار تتزايد عن نجاح تجارب لقاح كورونا؛ كان آخرها إعلان شركة Pfizer وشريكتها BioNTech عن نجاح الاختبارات الأولية بنسبة 90%، فما هي علاقة خسارة ترامب بظهور لقاح كورونا ؟
على الرغم من عنوان المقالة والذي يحتاج لبحثٍ وتقصٍ كبير، إلّا أن هناك حاجة للتأمل بين الحدثيّن (ترامب ونتائج اللقاح).
حيث يمكننا ملاحظة مدى الدهشة في مقالة للصحفية ميغان مكاردل عبر الواشنطن بوست.
والتي أشارت إلى أن هذه الأخبار ممتازة، ولكنها تحمل كماً كبيرا من التفاؤل المتسرع لسببين اثنين؛
الأول؛ وهو أن هذه الأخبار تتعلق بالتجارب الأولية، وهذا يعني أن الأمر يجب أن يأخذ وقته بشكل جيد.
والآخر هو التطعيم الشامل نفسه في حال نجاح اللقاح بشكله النهائي؛ سواء فيما يتعلق بكيفية وآلية التطعيم الشامل، أو قدرة الشركات على إنتاج كماً كافيا من اللقاحات.
حيث قدرت شركة Pfizer أنها ستنتج 50 مليون جرعة عالميا في عام 2020 لتصل إلى 1.3 مليار عام 2021.
هذه الشكوك التي يمكننا قراءتها في العديد من المقالات، تدفعنا للتساؤل عن علاقة خسارة ترامب بظهور لقاح كورونا .
فإذا أردنا تحليل علاقة ترامب من جهة ولقاح كورونا من جهة، فإنه يجب دراسة سلوك ترامب تجاه اللقاح منذ بداية الجائحة.
حيث قاتل ترامب منذ الشهور الأولى من الجائحة للاعتراف بأي لقاحٍ للتعامل مع هذا الفايروس.
ففي شهر نيسان اقترح ترامب حقن مرضى الكورونا بالمطهرات ومادة الكلور، وهو ما حذر منه الخبراء ومنظمة الصحة بشدة آنذاك.
ثم وفي شهر مايو الذي تلاه قامت إدارة ترامب بتوجيه الدعم لشركة “جلعاد ساينسز” بشكل مفاجئ ومثير للجدل.
وذلك من خلال السماح باستخدام الطارئ لدواء لريمديسيفير، والذي أُنتج لعلاج مرضى الأيبولا، وهو ما شكك فيه الكثير من الأطباء أيضا.
ومع مرور الوقت قام ترامب بتشجيع الشركات وحثها على تسريع الخطى في التجارب، وهو ما لاقى تحذيرا كبيرا من المختصين.
حتى وصل الأمر إلى حقن نفسه بدواء من إنتاج شركة ريجينيرون حينما أُصيب بالكورونا.
ثم توالت الأخبار تباعا عن اللقاحات حول العالم، فتارة تعلن الصين عن لقاح ناجح في شهر سبتمبر.
وتارة أخرى يخرج الرئيس الروسي بنفسه للحديث عن لقاح ناجح يتم حقنه لفتاة أشارت وسائل الإعلام بأنها ابنة الرئيس بوتين.
وقبل موعد الانتخابات الأمريكية بأسابيع ضاعف ترامب ضغوطه بشكل كبير على شركات الأدوية الأمريكية للإعلان عن لقاح كورونا.
إلّا أن هذه الشركات واجهت هذه الضغوط بالتصدي والمواجهة، والإعلان عن عدم التوصل للقاح مضاد وفعال ومطابق لمعايير السلامة والفعالية.
ولكن المتفحص للمشهد سيجد أن موضوع إعلان الشركة عن عدم نجاح اللقاح، ليس إلا لسببين اثنين:
الأول وهو لإعادة الثقة بين الجمهور والشركات نفسها، والتي تدهورت بشكل كبير خلال الشهور الماضية.
أما الآخر فهو انتظار الشركات لنتائج إعلان الانتخابات الأمريكية وتكشف المشهد السياسي وتحديد أثره على الحياة الاقتصادية.
فما أن انتهت نتائج الانتخابات الأمريكية، حتى قامت الشركات نفسها بالإعلان عن نجاح التجارب الأولية بنسبة تزيد عن 90%.
وهذا ليس غريبا على شركات ستجني أرباحا قياسية خلال الأعوام القليلة القادمة، خاصة في ظل عودة الشهية نحو المخاطرة بشكل ملحوظ.
حيث تشهد الأسواق العالمية في الوقت الحالي عودة لحالة الارتفاع مدعومة بثقة الجماهير بسياسات بايدن الحكيمة والممنهجة في التصدي للوباء والتخلص منه.
بالنتيجة فإن شركات الأدوية استفادت من ترامب في فترة وجوده وفي خسارته على حد سواء؛ حيث ساعدت سياسات ترامب ودعمه لشركات الأدوية طيلة فترة الوباء في تسريع الخُطى في عمليات الاختبارات، مدعومة بالأموال الموجهة لها، وهذا ما حدث مع شركة كوداك والتي وعدها ترامب بقرض حكومي بقيمة 765 مليون دولار أمريكي بغض النظر عن شكوك تنفيذ هذا القرض من عدمه.
ثم لتستمر استفادة الشركات بعد خسارة ترامب لصالح بايدن، وذلك بعدما انعكست هذه الخسارة إيجابا على الأسواق المالية ودفعت الناس نحو المخاطر، وهو ما يشجع الشركات منذ الآن على زيادة أخبار اللقاح ودفعها للخروج على العلن بشكل مفاجئ وغير مسبوق، لتُزامن الشركاتُ إنعاش مراكزها المالية مع انتعاشَ الاقتصاد.
فهل ستتم مراعاة معايير الأمن والسلامة كما وعد بايدن في برنامجه الصحي؟
أم سنكون مع المزيد من الإعلانات التي ستزيد من مخاوف الناس وتدفعهم لرفض فكرة تعاطي اللقاح في القريب العاجل؟
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية