كانت وما زالت أنظار العالم تراقب سعر الفائدة الأمريكية بحرص، نظرا لأهميتها في تحديد أسعار العملات وغيرها من الأمور الهامة الأخرى، وفيما يلي نبذة عن قصة أسعار الفائدة الأمريكية ، منذ بدء الحديث عن الفوائد أساسا، وصولا إلى آلية عمل هذا النوع من الفوائد، ووضعها حتى يومنا الحالي.
لقد انطلقت أسعار الفائدة الأمريكية لأول مرة في أمريكا، منذ مئتي عام تقريبا، وذلك عام 1798 وفقا لموقع advisor.
ويؤكد وضع العالم اليوم على النمط التقليدي لتحرك أسعار الفائدة الأمريكية، وذلك اعتمادا على الوضع الاقتصادي في كل مرحلة.
حيث تشير آخر التقديرات بأن أسعار الفائدة الأمريكية لن تتحرك قبل نهاية العام 2022، وذلك بسبب سعي العالم نحو تنشيط الاقتصاد بعد الجائحة ونتائجها الكارثية.
وقد شهدت أسعار الفائدة الأمريكية تقلبات كبيرة كما يمكنكم ملاحظته في الرسم أدناه، وذلك تبعا للظروف الاقتصادية.
فإذا أردت الحكومة تنشيط الاقتصاد ودفع الأموال إلى السوق كانت تعمل على تخفيض سعر الفائدة، والعكس بالعكس.
ما المقصود بسعر الفائدة الأمريكية وما هي آلية عملها؟
هو السعر المفروض على البنوك بين بعضها البعض، للاقتراض بين عشية وضحاها.
حيث يعتمد البنك الفيدرالي في البلاد على هذا السعر بشكل عام، لتعزيز الاستقرار الاقتصادي عن طريق رفع أو خفض تكلفة الاقتراض.
ففي حالة الركود يتم تشجيع البنوك على تشجيع الاقتصاد، من خلال زيادة قدرتها المالية، ثم ضخ البنوك للمال في الأسواق، والعكس بالعكس.
أما عن آلية عمل هذه الفائدة فإنه يتم على النحو التالي:
تستهدف اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة FOMC مستوى معينًا لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية.
حيث يتم تحديد أسعار الفائدة التي تفرضها البنوك على بعضها البعض للحصول على قروض ليلية.
ثم تستخدم البنوك هذه القروض (والمسماة بالأموال الفيدرالية) لمساعدتها على تلبية متطلبات الاحتياطي النقدي.
أما عن الاحتياطي النقدي، فهو نسبة من الودائع التي يجب على أي بنك الاحتفاظ بها كل ليلة..
وفي حالة عدم امتلاك أحد البنوك لهذا القدر من الاحتياطيات فإنه يلجأ إلى الاقتراض.
حيث يتقرض ذلك البنك قدرا من المال (وهو المقصود باقتراض الأموال الفيدرالية) من بنك آخر لتلبية الاحتياطي بسعر الفائدة المحدد.
وبناء على ذلك فإن أسعار الفائدة الأمريكية تستخدم لتحديد الفائدة التي يمكنك كسبها على حسابات الودائع في البنوك.
حيث تزيد أسعار الودائع وتنخفض جنبًا إلى جنب مع سعر الفائدة الفيدرالي.
كما يدير الاحتياطي الفيدرالي معدل الأموال الفيدرالية من خلال عمليات السوق المفتوحة.
أي انه تشتري أو تبيع الأوراق المالية الحكومية الأمريكية من البنوك الأعضاء في الاحتياطي الفيدرالي.
فحينما يشتري فإن ذلك يعبر عن وضع اقتصادي جيد في الغالب.
وحينما يقوم بالبيع كما في الوضع الحالي فإنه يشير إلى وضع اقتصادي في الغالب يأخذ أحد الاحتمالين التاليين؛
فإما أنه متعثر أو أنه في طريقه نحو الخروج من أزمة مالية أو اقتصادية معينة.
قصة أسعار الفائدة الأمريكية : ما قبل أمريكا وحتى الآن!
تشير إحدى الدراسات التي أجراها بنك إنجلترا، إلى أن هذا النمط من انخفاض أسعار الفائدة قد حدث على مستوى العالم منذ أواخر العصور الوسطى.
بل تؤكد على أن هذا النمط سبق وجود البنوك المركزية بشكلها الحديث المعاصر، وهو ما يؤكد على نمط تاريخي راسخ للفوائد.
حيث يعود تاريخ الفوائد أساسا قبل أمريكا، إلى أكثر من 700 عاما، وتحديدا منذ عام 1350 ميلاديا.
وتؤكد الوثائق على أن ما ساعد في ظهور مفهوم الفوائد هو مجموعة من العوامل أهمها:
عصر النهضة في أوروبا.
تطور اقتصاديات المال.
كما ساعد انفتاح الدول نفسها على التجارة إلى خلق الصورة الأولية لأسعار الفوائد، أو خلق مؤشر جيد لتكلفة الاقتراض بين البنوك.
وقد حدث ذلك تحديدا مع جمهورية جنوة أولا، وهولندا خلال فترة النهضة.
حيث أصبحت جمهورية جنوة شريكا للامبراطورية الاسبانية، فقامت بنوك جنوة بتمويل المساعي الخارجية للتاج الإسباني في مختلف المجالات.
وقد قامت العائلة المالكة الإسبانية في سبيل هذا التمويل بتوجيه الدعم الكامل للمصرفيين في جنوة مما أدى إلى زيادة نشاط البنوك وخلق آليات محددة لتنظيم العمل بينها.
كما ساهم وضع هولندا المالي المميز في القرن السابع عشر إلى رفع الثقة في الدين العام الهولندي، مما جعل الدولة الهولندية قادرة على تسعير ديونها وهو الشكل المتطور الآخر من أسعار الفوائد.
قصة الفائدة الأمريكية حتى يومنا الحالي:
قام أول بنك في أمريكا بوضع سعر فائدة مرتفع عام 1798، وهو الأمر الذي دفع الاقتصاد الأمريكي بعد ذلك إلى الركود.
ولاحظ أن سعر الفائدة ذلك قد تم تحديده من قبل بنك، أي قبل انطلاق الفيدرالي الأمريكي الذي بدأ بعمله عام 1913.
ثم وفي عام 1869 بدأ عصر الازدهار الاقتصادي في أمريكا، وتم الاهتمام ببناء السكك الحديدية، مما أضطر إلى تخفيض أسعار الفوائد إلى 4.2% لسد الطلب على الأموال في عصر الازدهار.
ثم وفي عام 1945 شهدت أسعار الفائدة انخفاضا حاداً آخر بسبب ارتفاع الديون الحكومية التي كانت تطلب المال لتعويض ما خسرته في الحرب العالمية الثانية.
إلا ان فترة السبعينيات يمكن أن نطلق عليها الأعوام المتوحشة لمعدلات الفوائد الأمريكية.
حيث قام رئيس الفيدرالي الأمريكي “بول فولكر” برفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية، وذلك في أعقاب التضخم المتفشي في 1970.
وقد وصل متوسط أسعار الفوائد في فترة السبعينيات إلى 15.8%، وهو ما زاد من المشاكل الاقتصادية في حقبة الثمانينات.
وبقيت أسعار الفوائد في مرحلة صعود وهبوط مرحلية، ولكنها ظلت في منحناها الهابط مقارنة بالفترة الموحشة التي حدثت في السبعينيات.
وبقي الأمر على ما هو عليه حتى جاءت الأزمة المالية الطاحنة عام 2008، فانخفضت من 5.2% إلى 2.3% لدرء الوقوع في مشاكل الأزمة المالية.
ولكن الأزمة حدثت بالفعل آنذاك، وبقيت أسعار الفوائد تتأرجح بين 1.5-2.5% قبل الدخول في عام الأزمة الكبرى عام 2020.
حيث عمل الاحتياطي الفيدرالي على تخفيض أسعار الفوائد حتى مستويات صفرية (0٪ إلى 0.25٪).
وتشير كافة التكهنات إلى أن عملية رفع أسعار الفوائد ستأخذ وقتها حتى نهاية 2022 قبل أن يقول الفيدرالي قولته النهائية فيها.
أنصحك بالاطلاع على تاريخ تحرك أسعار الفوائد في السنوات السابقة وكيف وصلت إلى نسب متوحشة من خلال الضغط هنا.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية