تخيل أن سريرك قد عَلِمَ بأنك استيقظتَ صباحاً وقام بإرسال إشارة مُعينة ليتم فتحُ ستائر غرفتك، وقبل التوجه إلى عَملك طلبْتَ مِنْ منزِلِكَ أن يهتمَ بأمورِه كما يجب، ثم توجهتَ إلى مركبتِك وألقيتَ عليها التحية وطلبتَ مِنْها أنْ تُقلكَ إلى العمل، ومن ثمَ رنَّ هاتفك، فإذ بالمتصلِ ثلاجتك تخبرك بأنها قيدت على حسابك المصرفيّ الالكترونيّ ثمنَ المُشتريات التي ستحتاجها بعد أسبوع من الآن، وتطلب الإذنَ منك لقبول هذه الحركة الماليّة، حتى تقوم الرجال الآلية بتجهيز الطلبية وإيصالها إلى منزلك. لا تستغرب المشهد السابق، فهو قاب قوسين أو أدنى من الحدوث، فعلا، على أرض الواقع، إنه مشهدٌ يعبرُ، باختصار، عمّا يُسمى بإنترنت الأشياء ”Internet of Things- IoT”.
المقدمة:
تنمو فكرةُ انترنت الأشياء، بشكلٍ متسارعٍ، يوماً بعدَ يوم، لتُصبحَ الحلَ المتكاملَ لتلبيةِ احتياجاتِ الناسِ اليومية والمتنامية، بالاعتماد على شبكة الانترنت دونَ اللجوءِ إلى التدخلِ البشري، وخاصة في ظل الكم الهائل من البيانات التي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال.
وقد توقَعَت مؤسسةُ البياناتِ الدوليةِ (IDC) أن إنترنت الأشياء سينمو بين الأعوام 2020-2025 بشكل سنوي وبمعدل مركب يبلغ 28.7%، وأنه سيولد بيانات بحجم (79.4) زيتابايت([1]) في العام 2025، وهو ما يؤكد أن إنترنت الأشياء يُعد الخطوة الرئيسة التي تجري الآن لجعل العالم مكانا مُتصلا ببعضه بعضاً بشكل كامل، وذلك لتسهيل الحياة على البشرية.
ويعدُ الذكاء الإصطناعي، المِفتاح الأساسيَ لثورة إنترنت الأشياء؛ حيثُ يتيح هذا النوع من الذكاء خاصية التعلم الذاتي من قبل الأجهزة، وذلك من خلال استقبالها لعدد هائل من البيانات، وتحليلها لمعرفة تفضيلات الشخص، وأولوياته، وتلبيتها أولا بأول.
وتبرز هناك العديد من الأسئلة حول هذا الموضوع الحديث، من حيث المفهوم، ومكوناته، والفوائدُ التي ستعود علينا جرّاء استخدام هذا المفهوم وتطبيقه، وتسعى المقالة الحالية إلى الإجابة عن الأسئلة السابقة بشكل مُبسط ومنهجي.
مفهوم انترنت الأشياء:
تشير الشركة العالمية Noten Life Lock المختصة بالأمور الرقمية الخاصة بالمستهلك، إلى أن مفهوم إنترنت الأشياء يشير، باختصار، إلى “اتصال عدد غير محدود من الأجهزة بشبكة الانترنت، بحيث تتشارك بعدد هائل من البيانات من خلال أجهزة استشعار (Sensors) تساعد في تسلم البيانات وتحليلها والوصول إلى الحل بشكل مثالي”، في حين تعرفه شركة Cisco العالمية بأنه “ربط الاشياء بالانترنت أكثر من ارتباط البشر بها”.
وإذا أردنا أن نعرف إنترنت الأشياء، بلغتنا البسيطة، فيمكننا تعريفه بأنه “ربط ما ليس مرتبطا بشبكة الانترنت وجعله متفاعلاً وقادرا على أداء الوظائف، بشكل تلقائي، من خلال التعامل مع كمٍ هائلٍ من البيانات”.
تطبيقات انترنت الأشياء:
يتضح، من خلال المفهوم السابق، لإنترنت الأشياء، مدى اتساع مجالاته غير المحدودة، ومن أهم تطبيقات إنترنت الأشياء في الوقت الحالي والمستقبل القريب ما يأتي:
-
الاتصالات Communications
-
الحكومة Government
-
الصحة Health Care
-
المنازل الذكية Smart Home
-
التعليم الذكي Smart education
“إنترنت الاشياء” حان الوقت:
في العام 2003 كان عدد سكان الكرة الأرضية 6.3 مليار شخص، وكان عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت يساوي 500 مليون جهاز، أما، في نهاية العام 2019، فقد بلغت الأجهزة المتصلة بالانترنت 26.66 مليار جهاز، أي بنسبة نمو تساوي 5000%، بل إن التقديرات تشير إلى أن إجمالي الإنفاق العالمي في ست سنوات بين 2019-2025 سيبلغ 15 تريليون دولار للاستثمار في إنترنت الاشياء، وذلك مقابل الكفاءة التي ستعود على المنظمات والمؤسسات، والتي يُقدر ارتفاع كفاءتها بنسبة 83% بعد قيامها بهذا التبني.
لقد تبنت كبريات الشركات مفهوم إنترنت الاشياء، فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، نجد أن شركة Apple عملت على إطلاق جهاز لمراقبة إضطراب واجهة المُستخدم بهدف المراقبة المستمرة لأعراض مرض باركنسون وتقديم تقارير حوله عبر Apple Watch لمقدمي الرعاية الصحية، في حين تُقدم شركة Samsung تقنيات المنزل الذكي من خلال أجهزة تُقَدرْ بمئتي جهاز يستخدم كل منها تقنيات الاتصال عن بعد.
أما على صعيد المستقبل، فإن إنترنت الأشياء سيغير الكثير من العوالم من حولنا، فمن حيث عالم الصناعة، سيزيد هذا المفهوم من مستوى الكفاءة، وقد أشار الخُبراء إلى أن المصانع الذكية القائمة على إنترنت الأشياء، في قارة أمريكا الشمالية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، ستصل قيمة الاستثمار فيها أكثر من 500 مليار دولار في العام 2022، أما على صعيد الرعاية الصحية فقد بلغت درجة استعانة المنظمات الصحية بإنترنت الاشياء مستوى 8.87% عام 2019، وذلك لأهمية هذا المفهوم في نمو البيانات الصحية التي تسهم في إيجاد حلول سريعة فعالية، بل إن التقديرات تشير إلى أن حجم البيانات الصحية سيتضاعف، في ظل استخدام إنترنت الأشياء، كل 73 يوماً.
كل تلك المعطيات الحالية، والتقديرات المستقبلية، تؤكد أن الجميع سيتحرك قُدما لتبني مفهوم إنترنت الاشياء، بل إن من سيُهملها، ولن يبذل الخُطى نحو هذا المفهوم سيتكبد خسائر كبيرة، وذلك لأنه سيجد نفسه متأخراً عن السلوك الجديد الذي فرضه مفهوم إنترنت الأشياء على جميع شرائح المجتمع وقطاعاته.
مكونات انترنت الأشياء:
يتكون إنترنت الاشياء من عدة مكونات، يمكن تناولها على النحو الآتي:
المكون الأول: يتعلق بالأجهزة device، ويدور الحديث هنا عن كل شيء بمعناه الحرفي، مثل السيارة، المكيف، الساعات، الثلاجة، التلفاز، أجهزة الإنذار وغيرها من الأمور غير المحدودة، إلا أن ما يجعل هذه المكونات مختلفة عن ذي قبل، هو ما تحتويه من مستشعرات تجعل منها أكثر ذكاء؛ بحيث تعمل هذه المستشعرات على إعطاء إشارات محددة بناء على بيانات معينة تجعل منها مكونات مادية حيوية ومتفاعلة.
أما المكونان الثاني والثالث، فيتعلقان بالاتصال والذكاء، أما عن الاتصال، فإنه يعني توصيل الأمر المادي بشبكة الانترنت، ولكن هذا ليس كافيا ليصبح الشيء ذكيا، فالذكاء يتعلق بقدرة هذه الأشياء على جمع البيانات وتحليلها بشكل تلقائي ودون الاستعانة بالعنصر البشري والقدرة على اتخاذ قرارٍ صحيح وسليم.
ويشير الدكتور رامي شاهين المتخصص في علم الذكاء الاصطناعي إلى أن هناك مكونات أخرى لمفهوم إنترنت الأشياء ليُصبح أكثر فعالية، منها حوكمة إنترنت الاشياء، والتي تشير إلى طريقة تحكم الدولة وتعاملها مع هذا المفهوم من خلال قوانين وتشريعات معينة، بالإضافة إلى مكوّن مهم آخر، وهو مستوى الأمان والحماية اللذان يضمنان استخدام انترنت الأشياء وفق مستويات مريحة ومأمونة الجانب من قبل المُستخدم.
ما الذي يحتاجه إنترنت الأشياء؟
تعدُ شبكة اتصال الجيل الخامس “5G” وقود إنترنت الأشياء، والعامل الأساسي في قدرته على تحقيق النتائج المأمولة بالطريقة الأمثل؛ حيث إن شبكة الجيل الخامس تمكّن من ربط مليون جهاز بوساطة خلية واحدة مقارنة بربط بستة آلاف جهاز فقط بخلية واحدة بالاعتماد على شبكة الجيل الرابع.
ولابد من الإشارة إلى من تفاءل بعدم فوات فرصة لحاق قطار التكنولوجيا المُستقبلي، وذلك لما يحتاجه مفهوم إنترنت الأشياء من الوقت ليتطور ويصل إلى الصورة التي يُؤمل بالوصول إليها، وهذا أمر طبيعي أمام كل حديث وجديد وليس على صعيد أي اختراع فحسب؛ حيث يحتاج كل شيء، في هذه الدنيا، إلى الوقت كي ينضج ويصل إلى الصورة الأمثل، بل ويحتاج إلى المزيد من الوقت لتحديث نفسه بشكل تلقائي وتطوير أدائه بشكل متسارع.
إلا أن الأحداث الحالية اليوم تقف لأنصار هذه النظرية المتفائلة بالمرصاد، فقد عمل فايروس كورونا على تسريع دفة المُضي قدما إلى المستقبل، واختصار السنوات التي كان من المفترض أن يحتاجها العالم للانتقال إلى المفاهيم الحديثة، ويأتي إنترنت الأشياء على رأسها، بل إن هذه الأحداث قد ألزمت الشركات على التفكير السريع بالآليات والاستراتيجيات السليمة لتبني هذا المفهوم بالشكل الذي تحقق، من خلاله، أقصى فائدة ممكنة، وضمان بقائها على ساحة الأعمال كمنافس رئيسي.
آلية تبني الشركات لمفهوم إنترنت الأشياء:
إن الآثار المترتبة على تبني مفهوم إنترنت الأشياء، تكاد تكون غير محدودة، وخاصة في مجال الأعمال والصناعة، فإنترنت الأشياء سيفرض واقعا لا بد من تبنيه من قبل الشركات، وتكييف أعمالها معه، ليس لضمان قدرتها على المنافسة فحسب، بل لضمان بقائها اصلا.
إن هذا المفهوم المُستقبلي سيفرض على أي شركة الإجابة عن ثلاث تساؤلات رئيسية للنجاح في استخدامه، وهذه الأسئلة على النحو التالي:
-
كيف يمكنني أن أنتقل إلى تلك النقطة المستقبلية من موقعي الحالي؟ (تقييم الواقع والتنبؤ بالمستقبل)
-
ما الذي يريده المستهلكون؟ (مسح احتياجات السوق الحالية والمُستقبلية، وخلق احتياجات لم يُفكر بها المُستخدم)
-
كيف ستتطور الأعمال وما هي الصورة التي ستصبح عليها الصناعة؟ (التنبؤ بآليات العمل ومحاولة بناء نماذج الأعمال الجديدة)
إن الأسئلة السابقة مفيدة جدا في تمكين الشركات من استخدام انترنت الأشياء بشكل هادف وواقعي وأمثل، بل إنها تعمل على تمكّين الشركات من الدخول في صناعات حديثة وجديدة قبل أي منافس آخر، إلا أنه يجب الاعتراف أن هذا التحول سيحدث بالتوازي مع جملة من التحديات والتي يجب أخذها بعين الحرص والعناية.
تحديات إنترنت الأشياء:
يواجه مفهوم ” إنترنت الأشياء ” العديد من التحديات، والتي تبدو منطقية جداً وتحتاج إلى حلول سريعة، وفيما يلي بعض أهم هذه التحديات:
-
الأجهزة والبرامج القديمة؛ حيث أن الأجهزة المُستخدمة في الوقت الحالي تواجه العديد من المشاكل، منها ما يتعلق بمسألة توافق (compatibility) الإمكانيات الحالية للأجهزة المصنعة سابقا مع متطلبات إنترنت الأشياء الجديد، إلى جانب مشكلة التحديثات التي لا يحظى بها أغلب الأجهزة بعد مرور وقت قصير من إطلاقها للأسواق، وهو ما يجعل فكرة استخدامها في مجال إنترنت الأشياء استخداما خَطِرا وغير آمن بسبب عدم مواكبتها لمتطلبات هذا المفهوم إلى جانب قابليتها للاختراق في أي وقت.
-
تحسين الشبكات وترقيتها للجيل الخامس، فهناك العديد من الدول، وتحديدا العربية، ذات الدخل المنخفض والإمكانات المتواضعة، ما تزال تعمل ضمن الجيل الرابع والثالث، إلّا أن هناك من يشير إلى إمكانية الاستفادة من شبكة الجيل الرابع، وعدم التذرع بعدم تطبيق مفهوم إنترنت الأشياء بذريعة عدم توفر شبكة الجيل الخامس، وهو تمت الإشارة إليه في ورشة عمل إلكترونية (WEBINAR) حول الثورة الصناعية الرابعة.
-
البرامج الضارة، والهجمات الإلكترونية التي ستنمو وتتطور مع تطور مفهوم إنترنت الأشياء، وتتفاقم المشكلة هنا من حيث حل الهجمات حال حدوثها، وصولا إلى ضرورة التنبؤ بها قبل حدوثها وإغلاق المنافذ أمام أية هجمة مستقبلية ناتجة عنها، وما يحمله هذا التحدي من ضرورة حماية البيانات أثناء عملية انتقالها بين الأجهزة من قبل المُستخدم، أو تقديم هذه البيانات من قبل مُقدمي الخدمة، وهذا يدفع إلى ضرورة سن التشريعات والقوانين الصارمة، واعتبار التسريب سلوكا جُرميا وسنّ العقوبات القاسية الرادعة له.
-
اختراق خصوصية المُستخدم، وعدم معرفته بأن أجهزته قد اختُرقت، وتم التجسس على أسراره، بهدف استغلال هذا الكم من المعلومات لأهداف دعائية، أو تحليلها ودراسة سلوك المستهلك.
-
تحدي ضمان السرعة وتوفير الطاقة: ويعد هذا التحدي واحداً من الأمور التي تعمل الشركات جاهدة للتعامل معه، فإتصال الاشياء بالانترنت عن بعد سيحتاج إلى الكثير من الطاقة، وهو ما يمكن أن يؤثر في استمرارية أداء الأشياء التي ستعمل وفق هذا المفهوم، ولذلك، فقد تم إنشاء مؤسسة الاتصال المفتوحة التي تضم أكثر من 170 عضوا من الشركات العملاقة، مثل سامسونج، وانتل، ومايكروسوفت، وكوالكوم، وسيسكو، وغيرها من الشركات لتمكين فكرة توصيل الأشياء بالشبكة بشكل دائم ومتواصل وفعّال.
-
تحدي المواطن لهذه التقنية وعدم تقبله لها، ظنا منه بأنها ستحلُ مكانه في العمل، وأنها ستُساهم في تخلي صاحب العمل عنه لصالحها، وهو أمرٌ بدهيّ إذا لم يتم ضبط هذه التقنية ضمن قوانين وتشريعات حمائية، إلى جانب التسهيلات التي قد تبذلها الحكومات في تسهيل المشروعات الفردية الجديدة القائمة على انترنت الأشياء، لفتح الأبواب الموصدة أمام المشروعات الحديثة التي ستحُل مكانَ الأعمال التي سيتم فقدها جرّاء تبني هذه التقنية في المؤسسات والمشاريع.