للإجابة عن عنوان المقالة ” هل اقتربنا من حرب عالمية جديدة ” لابد من الحديث عن أهم ظاهرة ساهمت في قيام الحرب العالمية الثانية. وهي الظاهرة التي يخشى العالم بأسره من العودة إليها وهي ظاهرة الكساد العظيم. فما المقصود بالكساد العظيم؟ وكيف حدث؟ وما علاقته بإمكانية قيام حرب عالمية جديدة؟
الكساد العظيم هو أزمة اقتصادية حدثت عام 1929 واستمرت فعليا حتى نهاية عام 1934 في حين استمرت آثارها حتى الأربعينيات. يعتبر الكساد العظيم أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية التي عرفتها البشرية في التاريخ المعاصر. حيث بدأ فعليا في الولايات المتحدة حينما انهارت أسواقها المالية يوم الثلاثاء والذي سُميَّ فيما بعد بالثلاثاء الأسود. ولقد تأثرت أغلب الدول بسبب هذا الكساد، فتقلصت التجارة العالمية بنسبة الثلثين، وانخفضت المداخيل، وتراجعت الارباح. وقد امتدت آثار هذا الكساد لتطال الأمن الاجتماعي والاقتصادي، إلى جانب مشكلة الأمن الغذائي العالمي.
كيف حدث هذا الكساد العظيم؟
يمكن الحديث عن أن النظام الاقتصادي الحر كان سببا واضحا، حيث أنه يرفض تدخل الدولة في أنشطة الأعمال والأموال بدعوى الديموقراطية. فلم تكبح الدولة جماح نشاط الأفراد الاقتصادي، ولم يتم إرشاد أصحاب الأموال أو منعهم من الإضرار بالاقتصاد. وقد أدى سوء الرقابة الخارجية والرسمية على أنظمة الأعمال، إلى استعمال أصحاب رؤوس الأموال الآلات على حساب اليد العاملة في سبيل مضاعفة الإنتاج دون النظر إلى المصلحة العامة. وهو ما أدى إلى زيادة الإنتاج كما يرغب الرأسماليون إلا أن هذا الإنتاج لم يجد التصريف المناسب في ظل تخفيض الأجور الذي ساهموا فيه بشكل كبير. ولقد أشار الاقتصاديون آنذاك إلى أن غياب الرقابة الرسمية للدولة إضافة إلى اختلال عوامل العرض والطلب، سيكون ذو نتيجة حتمية مؤداها أزمة اقتصادية لا محالة.
عوامل انطلاق الكساد العظيم في أمريكا:
أما عن كون أمريكا هي انطلاقة الشرارة الكامنة وراء هذا الكساد، فذلك يعود إلى أسباب مختلفة كان أهمها ما يلي:
أولأ. عودة مصانع أوروبا من الحرب العالمية الأولى للإنتاج العادي:
اندفعت أوروبا إلى الاعتماد على ما تنتجه وترك المنتوجات الأمريكية على الرفوف فتكدست البضائع الأمريكية.
الأمر الذي أدى إلى تعطيل الإنتاج الأمريكي، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة وزيادة معدلات الفقر بشكل كبير.
ثانيا. تلكؤ أوروبا عن دفع ديونها المستحقة لأمريكا:
لقد زادت أوروبا من مشكلة أمريكا آنذاك، وذلك حينما ماطلت في دفع ما عليها للولايات المتحدة الأمريكية من ديون مستحقة.
مما أثر على واردات الخزينة الأمريكية، وبالتالي على قدرتها في السداد للمستثمرين، الأمر الذي أثر سلبا على ثقة المستثمرين بأسواق أمريكا المالية شيئا فشيئا.
ثالثا. دول الدولة السلبي:
لقد كان لدور الدولة السلبي أثرا بالغا في قيام هذا الكساد، حيث قامت برفع الضرائب لمقابلة نقص إيراداتها، وهو ما انعكس سلبا على المواطن المرهق أساسا.
علاج الكساد العظيم والطريق المؤدية للحرب العالمية الثانية:
بدأ الاقتصاد الأمريكي بالتعافي في العام 1931، إلا أن انتعاش الاقتصاد انتظر حتى العام 1933 حتى مجيء فرانكلين روزفلت.
حيث قام روزفلت بتأسيس نظام مصرفي سليم، وإصدار القوانين ما بين الأعوام 1933-1935 ذات العلاقة بالاسواق المالية.
كما سن قوانين حماية الاسر الأمريكية، وقوانين تشجيع الاستثمار، وأعاد تفعيل عدة قطاعات مهمشة.
كان من أهم هذه القطاعات وأفضلها حتى يومنا الحالي قطاع الزراعة، والذي يمثل مؤشرا صحيا على صحة الاقتصاد الأمريكي حتى يومنا الحالي.
بل إن القطاع الزراعي ذو أهمية كبيرة في الموازنة الأمريكية التي لا تضع النفط ضمن بياناتها.
ولكن سياسة روزفلت لم تكن بهذا القدر من الحصافة والجودة، بل إن جلّ ما قام به هو تدويل الأزمة ودفعها إلى أوروبا خاصة في ظل قراراته بسحب الودائع الأمريكية من البنوك الأوروبية لضخها في الاقتصاد الأمريكي وإعادة السيولة النقدية لإنعاش الاقتصاد.
لقد ترك الكساد العظيم العالم أثرا بالغا في العالم، وسمح للسلطات باستخدامه كشبخ يخوفون به الشعوب، فصعدت شخصية هتلر وفق ما يسمى بالديماغوجية؛ حيث قام باستخدام ما سببته أمريكا من آثار اقتصادية سلبية في أوروبا كوسيلة لإقناع الشعب بأفكاره وتخويفهم من آثار عدم اللحاق بمعتقداته، وهذا هو المعنى الحرفي للديماغوجيا.
كما عمل الكساد العظيم على إلهاء العالم والمنظمات الدولية والإنسانية عن التسليح وخرق المعاهدات، لأنهم كانوا مشغولين بكيفية تفعيل وتنشيط الاقتصاد وحماية حقوق الإنسان.
وقد كانت هذه العوامل مجتمعة مؤشرا واضحا لاقتراب العالم من الدخول في آتون الحرب العالمية الثانية.
وهنا تكمن النتيجة والإجابة: هل اقتربنا من حرب عالمية جديدة ؟
إن الإجابة هنا تكمن في دخولنا إلى جحيم الكساد العظيم مرة أخرى وبصورة أشد عنفا بمعطيات العصر الحديث.
إضافة إلى طريقة العلاج المتخذة من قبل الفاعلين الرئيسيين في العالم على صعيد السياسات والقوانين والإجراءات.
أضف إلى ذلك عدم ملاحقة الأطراف الأخرى غير المباشرة مثل الأسواق السوداء وغاسلي الأموال وغيرها، حيث أن هذه الجهات ستستفيد بشكل أو بآخر في ظل انشغال العالم بالاقتصاد وغضه الطَرْفَ عن الأمور الخارجية العالمية الأخرى ذات العلاقة بحقوق الإنسان وحماية كرامته، حيث أن هذه العوامل السلبية مجتمعة ستكون كفيلة بنقلنا من أزمة اقتصادية إلى أزمة أخلاقية فبالتالي ننتقل إلى بوابة الحرب العالمية الجديدة لا سمح الله.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية